اخر الاخبار
next prev

رحلة البحث عن غد أفضل

من طرف زهرة بن ربيع -- 16-مارس-2023 86

الهجرة الغير شرعية ليست وليدة اليوم بل هي نتيجة الحروب  والأزمات الاقتصادية  والسياسية منذ زمن ٬ فالتدفق الكبير الذي شهدته دول شمال إفريقيا خاصة دول الجوار تونس المغرب ليبيا من المهاجرين هذه المرة تغيرت الأسباب فهم على زعمهم يطالبون بإرث أجدادهم .إفريقيا لذوي البشرة السوداء وهذا ما سرح به بعض المغردين على فايسبوك.                 

هاجس وتخوف كبير أصبح يراود كل مواطني شمال إفريقيا لسنا عنصريين وليست عنصرية منا وليس لأننا نراهم أدنى مستوى منا ٬ لكن الخوف من الفوضى وتفشي حالة لا إستقرار جراء تواجدهم على شكل تجمعات كبيرة قد ينجم عنه مشاكل وخطر  على السكان المحيطين بهم ٬ وغياب الأمن ضمن هذه التجمعات وغياب أدنى مستوى معيشي لهم سيساعد في إنتشار الأمراض والأوبئة ٬ وفي وسط كل هذه المخاوف تذكرت ذلك الفتى الذي كنت قد تعرفت عليه ليس بمعنى أصح التعرف لكنني كنت أراه كلما ذهبت للعمل وهو بدوره يأتي إلي بإبتسامة لا تكاد تفارق وجهه ٬ وبمقولته الشهيرة “صدقة صدقة ” دائما أحاول أن لا أكون بخيلة ولا أرده خاوي اليدين ٬ دائما ما أضع قطعة نقدية في يده فيبدأ  بالدعاء لي “يرحم والديك ٬ الله يعطيك سكنة” هذه الأدعية التي أسمعها كثيرا من أمثاله من الأطفال المهاجرين وكنت كلما إلتقيته يأتي مسرعا وهو يقول “صدقة صدقة” صدقوني أضحك في داخلي على طريقة  كلامه وهو يحاول جاهدا أن يستعطفني ويستعطف الناس ليعطوه ولو القليل ٬ لكنني في داخلي أبكي ويحترق قلبي على رؤية أطفال في عمر الزهور وهم يتجولون في الشوارع والحافلات طلبا لعض النقود بدلا أن يكونوا في المدارس .

بعد هذا الهجوم أو الغزو لشمال إفريقيا ٬ كما يحب البعض أن يطلق عليه من طرف المهاجرين الأفارقة من دول الجنوب ٬ قررت أن أجلس مع ذالك الفتى الذي لم أساله  يوما عن إسمه و أن أتكلم معه كيف جاء إلى الجزائر ؟ ولماذا ؟ و منذ متى حطت بهم الرحال في هاته الديار ؟

في البداية لم يود أن يتكلم معي ٬ وتهرب مني لكن مع إلحاحي له وافق ٬ إصطحبته إلى محل للبيتزيريا ٬فرح كثيرا كأنه أول مرة يدخل إلى هكذا مكان .

قال لي أن إسمه سليمان من النيجر ٬ وأنه مسلم يعيش مع والديه وأخته الصغيرة ٬ سألته أين يسكن هنا ؟ قال أبي صنع لنا بيت من أغطية بلاستيكية وأعمدة خشبية أتى بها من  الغابة قرب الواد . صحيح أنها مجمعات سكنية في ولاية البليدة لكن  مصطلح التجمع السكني لا يعبر عن الحقيقة المزرية التي يعيشونها فهو أشبه بتكتلات على شكل خيم من أغطية بلاستيكية لعلها تقيهم من برد الشتاء أو حر الصيف.

أكمل سليمان الحديث ٬ أنهم هربوا من بلادهم لإنعدام الإستقرار السياسي وحالة ألا أمن عندهم ٬ زد إلى ذلك حالة الجفاف التي دمرت ثروة البلاد الحيوانية ومحاصيلها. فجأة سليمان أخذ قطعة البيتزا وذهب يجري ناديته لكنه لم يجب.

في تلك اللحظة تذكرت ما عشناه نحن في العشرية السوداء ٬ وشعرت بالألم الذي مازال لحد الآن مغروسا في قلوبنا ٬ فمنا من هاجر وهرب بجلده ومنا من لم يستطع فبقي ودفع ضريبة بقائه ٬ فقدان شخص عزيز وألم لن ينساه مدى الحياة .

تساءلت في نفسي هل كنا نعيش في مجتمع غابي ؟ القوي يأكل الضعيف والذي لا يعجبه رأي الآخر يزيحه من طريقه ؟ هل إستلم ومنح هذا الحق لنفسه وحرمه على غيره ؟ ما زلنا نعيش حرمان هاته الحقوق لبعض المجتمعات في بعض دول إفريقيا التي ضاعت فيها حقوق الإنسان تحت مسمى القوي يأكل الضعيف وأفضلية الجنس الأبيض على الجنس الأسود.

في الغد أخذت بعضي وذهبت باحثة عنه لعلي ألقاه ٬ لكنني وجدته قادما نحوي ومعه فتاة صغيرة ٬ ربما هي في السادسة من العمر ٬ قبل أن أتكلم بادرني أنها أخته باللغة الفرنسية . قلت له لنذهب لم يتردد أمسك يد أخته وتبعني هذه المرة ذهبنا مرة أخرى إلى محل البيتزيريا ٬ أين غمرتهم فرحة كبيرة لمنضر البيتزا وهي على الطاولة . بعد الانتهاء من الأكل ٬ لم يهرب كما فعل في المرة السابقة. نضر إلي وبدأ بالحديث . قال إنه من قبيلة الهوسا ٬ والديه كانا يعملان في الزراعة ٬ كان يتعثر في الكلام ببضع كلمات فرنسية ٬ محاولا إدخال كلمات عربية أن يقول “إن شاء الله  الحمد لله ” .  تكلم مع أخته لم افهم ولا كلمة مما قال ٬ أخبرني انها لهجة الهوسا التي تحدث بها .قرأ لي بعض سور من القرأن حتى أخته حاولت أن تقرأ سورة الفاتحة ٬ سألته أين حفضت القرآن فرد أن أباه هو من علمه هو مع أخته.  دهشت منهما رغم صغر سنهما إلا انك ترى في أعينهما قوة الإرادة لتحدي لأي صعاب تواجههم  .

أضاف سليمان بانه يوجد في النيجر ما يسمى عرب النيجر وهم مجموعات من  “شوا “أو “عرب البقارة” ويعتقد أن العشائر الأولى منهم قد وصلت إلى النيجر في القرن التاسع عشر.

قال لي هاذه المعلومة التي كانت مكتوبة في ورقة وهو يضحك ان أباه هو من كتبها له ٬ سألته ٬ منذ متى وانتم هنا بالجزائر ؟ رد قائلا  “منذ حوالي أربعة أعوام ٬ مضيفا دخلنا الجزائر مشيا في الصحراء ٬ كدنا نموت عطشا٬ كانت أمي تحمل أختي الصغيرة وأنا مرة يحملني أبي وأخرى أمشي ٬ أتذكر رجلايا كانتا تسيل دماءا ٬ لقد كدنا نهلك”

هل أتيتم مشيا على الأقدام من النيجر إلى الجزائر؟  في البداية جئنا عن طريق أشخاص وضعونا في شاحنات مغلقة كنا حوالي 30 شخصا أطفالا نساءا رجالا ٬ كان كل واحد منا ينضر للآخر ولا يتكلم . لا أدري المدة التي قضيناها ونحن  داخل الشاحنة. ولما توقفت قاموا بإنزالنا وقالوا لنا أكملوا سيرا عل الأقدام ، لم يتبقى إلا القليل  والوصول للحدود  الجزائرية.

كان ذالك ليلا ،  كنا تحت قيادة رجل كبير في العمر يضع لثاما  على وجهه قالوا إنه يعرف الطريق، هل كان الهدف من دخول الجزائر  الاستقرار فيها؟   أجاب لا  والدي اخبرنا   بانه  بمجرد جمع مبلغ من المال  يسمح لنا العبور نحو أوروبا نهاجر  لكن لم نستطع توفير هاذا المبلغ فابي  يعمل في البناء .

آه صحيح  العبور نحو اوروبا ليس حلم شباب شمال إفريقيا فقط بل أصبح حلم  يراود جميع شباب افريقيا.

كيف وجدت الجزائر  هل تحب البقاء فيها؟ أجل أحب الجزائر  فالجزائر شابة بزاف هكذا قال لي  وأخته أعادت الكلمة شابة بزاف ، إلا تريد العودة لبلدك؟  لا أريد أحب البقاء هنا.  هل ذهبت إلى العاصمة ؟ أجل ذهبنا إلى العاصمة لكننا لم نمكث طويلا هناك  وذهبنا إلى عدة ولايات وفي الاخير استقرينا  هنا في برج بوعريريج .

هل ضربك أحدهم انت أو اختك؟  لا لم يضربني أحد بل أنهم يضحكون معي ويعطوني نقود وملابس وأحيانا أكل مثلك انت.

هنا خطر ببالي بند من بنود حقوق الإنسان هو حق كل إنسان العيش بكرامة وأمان، فإنه يحق للجميع أن يتمتعوا بالحرية والأمن ومستويات معيشية لائقة فحقوق الإنسان غير قابلة للتجزأة.

الطفل سليمان واحد من الأطفال الفارين من الأوضاع المزرية لبلدانهم أملا في غد أفضل، فالمهاجرين أو المهجرين غصبا من أراضيهم هم في النهاية بشر يريدون ويسعون للعيش كجميع الناس بكرامة بغض النضر عن الجنس أو الدين أو اللون .

فحقوق الإنسان لا تشترى ولا تكتسب ولا يمكن إنتزاعها ٬ فليس من حق أحد أن يحرم شخصا آخر من حقه بمجرد الحكم على لون بشرته ،فهي ثابتة وغير قابلة للتصرف.

0 Shares

مقالات ذات صلة

التعليقات

اترك تعليقـا